الزراعة المحمية في ضوء الزراعة المستدامة

المفهوم البسيط لأهداف الزراعات المحمية بشتى صورها سواء صوب بلاستيكية أو شبكية أو أنفاق بلاستيكية بجميع أحجامها وأشكالها لا يتعدى من وجهة نظر المزارع أنها الوسيلة لإنتاج المحصول في ميعاد يصعب أو يستحيل إنتاج نفس المحصول في نفس الميعاد وفي نفس المنطقة في الزراعات المفتوحة التقليدية ،، فمثلاً سينخفض إنتاج الطماطم الهجن الغير محدودة النمو عند زراعتها في الحقل المفتوح على أسلاك في منطقةٍ ما بالعروة الخريفية المبكرة نتيجة برودة الجو مما يؤدي لتدهور النباتات وقلة المحصول في حين يمكن اللجوء لزراعة تلك الأصناف تحت الصوب البلاستيكية في نفس الميعاد والحصول على نمو جيد وإنتاجية قياسية لتلك الأصناف مما يعزز توفر المنتج في شهور بعينها بالأسواق يصعب توفرها عند إنتاجها بالزراعات المفتوحة.
ولكن دعنا نتساءل !!؟؟ عن المتحدث عن وجهة النظر تلك والتي تدفع بالنهاية لقرار الزراعة ؟؟!!
هل هو المزارع ووعيه الذاتي والذي قرر الإنتاج واختار المحصول ؟؟
أم موزع التقاوي الذي يسعى لرفع مستوى تسويق الصنف بشتى السبل بتلك المنطقة وفي هذا الميعاد ؟؟
أم الالتزام الحكومي بنشر التوعية الإرشادية الموجهة للمزارع ؟؟
ولو حاولنا أن نجد الإجابة الوافية لهذا السؤال سنقع في ظل تضاربات عديدة للآراء تصب في النهاية إلى أن وعي المزارع وقراره هو الفيصل في اتخاذ قرار الزراعة ومن ثم وجب على مسوق الخامات الزراعية ومنها التقاوي والبنية الأساسية للمحميات الالتزام بتلك الرؤية ودعمها، وأيضاً وجب على الحكومة والدولة دعم تلك الرؤية والقرار بتوفير الدعم الفني والمادي إن لزم لتوجيه المزارع لتنفيذ قراره بزراعة هذا المحصول.
ومن هنا لابد أن نقول إن المزارع الجيد يجب أن يتبنى فكرة التنوع في الإنتاج الزراعي من الأساس ويكون مؤمناً به إيماناً كاملاً في ظل تحقيق الزراعة المستدامة وهذا يتحقق بمجموعة من الأسس والإجراءات لتحقيق هذا التنوع.
ومن تلك الأسس والإجراءات هي الالتزام بالدورة الزراعية لتعاقب وتنوع المحاصيل في الأرض المنزرعة مع الاتجاه للإنتاج الحيواني كعنصر فاعل وداعم للعملية الزراعية المستدامة برمتها، والالتزام بالدورة الزراعية لا يعني قوانين حكومية يلتزم بها المزارع !! وهذا من المفاهيم الخاطئة عند العامة من خارج القطاع الزراعي، فالتنوع المحصولي في ظل دورة زراعية هو وعي ذاتي نابع من إدراك المزارع لضرورة استغلال الأرض طول العام بزراعتها بشتى المحاصيل الممكن زراعتها بالأرض ولكن بصورة متعاقبة في مواعيدها تسمح بعدم تكرار المحصول بنفس القطعة لتلافي الإصابة بالأمراض أو إجهاد التربة أو الهروب بالمحصول لظروف جوية مناسبة داخل الدورة مع تعزيز الدورة بالمحاصيل المفيدة للتربة كالبقوليات، وليس في النهاية التزاماً بقانون أو إرشاد توعوي مفروض.
فعلى سبيل المثال نفترض تصميم المزارع لدورة زراعية رباعية للبطاطس بقطعة أرض فسيتم زراعتها مثلاً بدايةً من البطاطس ويليها أحد محاصيل الحبوب ويليه أحد المحاصيل الورقية كالخس أو السبانخ أو البقدونس ثم يليه أحد المحاصيل البقولية لتعزيز وتقوية التربة، وفي تلك الدورة يحظر زراعة الطماطم طول فترة الدورة حتى نهايتها وهي أربع سنوات نظراً لأنها تشترك في الإصابة ببعض الآفات والأمراض مع البطاطس، ولو افترضنا حاجة المنطقة أو السوق لمحصول الطماطم أو حاجة المزارع نفسه لزراعة الطماطم نظراً لقيمتها التسويقية وارتفاع ربحتها فمن هنا سيلجأ المزارع تلقائياً بتعديل تصميم الدورة بقطعة الأرض وتخصيص جزء بإقامة مجموعة من الصوبات البلاستيكية لإنتاج الطماطم خارج الدورة تحت الصوبات وداخل قطعة الأرض معززة بمشتل تحت المحميات لإمداد الزراعات المفتوحة بالشتلات وكذلك جزء المحميات الذي بالطبع سيتم زراعته في دورة زراعية تعاقبية تسمح بجودة الإنتاج وعدم استنفاذ التربة.
الزراعة المحمية في ضوء الزراعة المستدامة
ومن هذا المثال يتضح أن أسلوب الزراعة من خلال دورة زراعية منظمة ليس مدعاة لمنع زراعة أحد المحاصيل بالأرض أو المنطقة مهما كانت الظروف فيمكن اللجوء للزراعات المحمية لتحقيق التنوع، كما يمكن استزراع أشجار الفاكهة في جزء من الأرض لتحقيق التنوع المطلوب وأيضاً حظيرة للإنتاج الحيواني لإمداد جميع قطع الدورة الزراعية بالكمبوست المصنع محلياً من مخلفات المزرعة والسماد البلدي ناتج الحظائر.
ويمكننا في النهاية أن نقول إن الزراعات المحمية داعمة وبشكل أساسي للاستدامة والتنوع المحصولي بالمزرعة والبيئة المحلية إذا ما كانت نابعة من وعي ذاتي للمزارع أو القائمين على المشروع الزراعي وليس التزاماً قانونياً كما شاع خطئاً أو تنفيذاً لرؤية إرشادية قد تكون موجهة من أصحاب مصلحة مؤقتة من المزارع أو المؤسسة الزراعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنك إضافة تعليق
التعليقات من أجل إثراء الحوار فيما نشر ومشاركة الآراء والأفكار بكل ود وأمانة، وسأحاول جاهداً الرد على الاستفسارات، فمرحباً بك